عاد من عمله بعد صلاة العشاء بقليل بعد ساعات من الوقوف تحت اشعة الشمس
الحارقة وساعات في زحام الطريق وبرغم الكم الهائل من التعب والارهاق اللذان
يشعر
بهما قفز سريعا الي حمامه ينثر قطرات الماء علي جسده.
أنهي حمامه علي عجل وذهب الي غرفته...أخرج حلته السوداء وقميصة الابيض
ورباطة عنقه السوداء وارتداهم في سرعة وأناقة واتم تصفيف شعره وتعطر وارتدي
نعليه وخرج مرة أخري.
لم يستقل سيارته فهو يعلم جيدا انه لن يصل في الوقت المحدد بسبب
الزحام...مشي مسرعا كمن تلاحقه شياطين الارض ينظر الي ساعته بين الفينة
والأخري آملا ألا يتأخر...وأخيرا وصل
كانت ساعته تدق تمام العاشرة...ساعتين من السير المتواصل ولازال محتفظا
بإبتسامته ولا يظهر أي أثر لما مر به طوال اليوم.
دلف الي ذلك المقهي الذي يحفظه عن ظهر قلب وجلس في مكانه المعتاد
المقابل للماء وأخرج هاتفه المحمول ووضع سماعات الأذن وجلس صامتا يستمع الي
مكالمة مسجلة.. ساعة كاملة
مرت وهو صامتا كتمثال حجري يستمع بإهتمام الي تلك المكالمة.
انتهي التسجيل فعدل من جلسته ونظر عن يمينه فوجد النادل قد وضع فنجان
القهوة الخاص به..نظر الي الماء وأخذ يرتشف من الفنجان ويتذكر تلك
الأيام..أربعة سنوات مضت ولم يستطع
أن ينساها..بريق عيناها..جمال ابتسامتها..صوت ضحكاتها الخمس..حركات
يديها..وقع خطواتها..ملمس أناملها الدقيقة بين كفيه..كل شيء.
كانت حياته وسر تكوينه..أخرج صورتها من حافظة نقوده بيدين مرتعشتين ونظر
إليها طويلا..قلبه يدمي وعيناه تأبي أن تذرف الدمع..وتذكر يوم أن أهداها
خاتما ذهبيا اشتراه بكل ما
يملك من مدخراته..تذكر كيف بكت من الفرحة كطفلة صغيرة وقفزت تعانقه وتضمه
إليها في حنان..وكيف احتوت وجهه بكفيها والدموع في عينيها وتبسمت قائلة
"أنا لا أريد ذهبا ولا
فضة..أريد أن أقضي بقية حياتي بين ذراعيك".
تذكر كيف أخذها منه القدر في نفس هذا اليوم وكيف خرج هائما في الطرقات
بعد تلقيه الخبر غير مصدق لا يدري ماذا يفعل او إلى أين يتجه..وخلال أربعة
سنوات لم ينسي ولم تفارقه
الذكريات طوال رحتله..حاول أن ينسي وجاهد كي لا يتذكر حتي أنه لم يكن ينام
ليرتاح او يحلم بل كان ينام لينسي..ورغم ذلك فشل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
إن كان من حقك ان تعلق فليس من حقك ان تسب غيرك